مقالات

عُمان والتوجه شرقا – الأسبوع

لم يعد طرح “التوجه شرقا”، مجرد استدعاء أو رمزية مستقبلية، بل بات واقعا وضرورة ملحة تمثل عدة فرص وتحديات مستقبلية عدة أيضا.

أما الفرص فيجب على الدول العربية استثمارها الآن لا بعد حين، من أجل المساهمة بشكل جاد في توازن القوى الدولية أمنيا واقتصاديا، نظرا لاعتبارات عدة، تجلت في موقف واشنطن من قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إذ لم تتخذ الإدارة الأمريكية أي خطوات تعبر عن حسن النية أو مراعاة قيم الشراكة والتحالف مع أي من دول المنطقة.

الاتجاه شرقا، ليس بالضرورة فك الارتباط مع الغرب، لكن المساهمة في تعزيز التوازن الدولي هو الخيار المتاح حاليا أمام المنطقة العربية، ويمكننا أن نرى ذلك بوضوح في زيارة جلالة سلطان عمان إلى موسكو في 22 من إبريل الجاري، والتي شهدت توقيع اتفاقيات عدة في جل مجالات التعاون الحالي والمستقبلي، ومثلت خطوة هامة في ظل ما تعيشه المنطقة من تفاقم التوتر، وترقب الهدوء أو الانفجار الكبير على بين إيران وواشنطن.

خلال اللقاء بجلالة سلطان عمان، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن قمة عربية مرتقبة تجمع روسيا بجامعة الدول العربية هذا العام، وهي خطوة سيسعى الجانب الغربي لعرقلتها بكل السبل، لكن الفرصة مواتية أمام الصين أيضا لحضور هذه القمة بدعوة من روسيا أو من جامعة الدول العربية، الأمر الذي يمكن أن يفرض واقعا مغايرا يؤسس لدور محوري للدول العربية التي دفعت فاتورة باهظة نتيجة الصراع بين الشرق والغرب الذي يدور على أرضها منذ عقود، بداية من العراق وسوريا واليمن وليبيا، وجميعها تتصل بشكل أو بآخر بهذا الصراع، الأمر الذي يحتم على الجميع الآن التحرك تدريجيا نحو الانخراط في المشهد، مع إدراك أن التبعات ليست هينة.

ربما أن الزيارة التاريخية لجلالة السلطان هيثم بن طارق إلى موسكو، تعد بمثابة خطوة استراتيجية دقيقة تعبر عن رؤية ثاقبة، في ظل ما عرف عن السياسة العمانية من هدوء ودقة، الأمر الذي يعطي هذه الزيارة أهمية أوسع من الجوانب الثنائية، مع الأخذ بالاعتبار الدور المحوري والهام الذي تقوم به السلطنة في وساطتها بين واشنطن وطهران، والدول الآخر الذي قامت به بين الرياض وطهران في فترة سابقة.

من جهة فإن تعزيز العلاقة مع موسكو يفتح آفاق التعاون والاستثمار وزيادة الحركة السياحية بين البلدين، لكنه يؤكد أيضا أن الأبعاد الإقليمية حاضرة وبقوة، إذ يمكن استثمار علاقة موسكو مع إيران من جهة ما ينسحب بالضرورة على ملف اليمن ولبنان والجماعات الأخرى التي ترتبط بإيران إذ تبحث موسكو عن دعم الاستقرار في الوقت الذي تحتاج فيه إيران أيضا لتحسين علاقتها مع دول المنطقة.

ومن جهة أخرى أيضا يمكن الاستفادة من الموقف الروسي والصيني في عديد القضايا من جهة، وكذلك الاستفادة القصوى من الاستثمارات الصينية الروسية، التي باتت تبحث عن أسواق وبيئات آمنة أكبر في ظل الإجراءات التي قام بها الرئيس الأمريكي وفرضه لضرائب باهظة أضرت بشعبه وشعوب دول أخرى، بالإضافة أيضا لحالة العداء الأوروبي لروسيا، ما يجعل الدول العربية هي الملاذ الآمن لرجال الأعمال الروس، وهو ما بدأ فعليا مع بدء الأزمة الأوكرانية.

رغم كل هذه الفرص التي تبدو مواتية بشكل كبير، ويمكن أن تعززها بصورة أكبر المملكة العربية السعودية، التي تعد قوة اقتصادية هائلة في المنطقة، لكن التحديات أيضا ليست هينة، فمن جهة ترتبط العديد من الدول العربية باتفاقيات أمنية ضخمة مع واشنطن وكذلك على المستوى الاقتصادي، في ظل عقوبات على روسيا وإيران وحرب مع الصين، لكن الانتظار لن يحسن من وضع التحديات بل سيزيدها تعقيدا، ويمكن أن يبقي على المنطقة لعقود أخرى مجرد ساحة لإدارة الصراع دون أن تكون فاعلة شرقا أو غربا.

في المجمل فإن زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق التي أسست لقمة عربية روسية مرتقبة، تعد بوابة هامة نحو الاتجاه شرقا، بما يعزز من توازن القوى العالمية، ويصون مقدرات المنطقة، ويدفع نحو تثبيت عوامل الاستقرار والأمن للأجيال القادمة التي توشك أن ترث منقطة مفتتة متنازعة الأطراف ومحترقة القلب عن آخرها.

Leave A Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts