مقالات

قرار «سلافة».. التمكين والفرص – الأسبوع

د.محمود منصور – خبير صناعة تكنولوجيا المعلومات

د.محمود منصور – خبير صناعة تكنولوجيا المعلومات

قرار تعيين د.سلافة أحمد جويلي، مديرًا تنفيذيًا للأكاديمية الوطنية للتدريب، لا أتعامل معه كمجرد تغيير إداري، بل يمثل بالنسبة لنا جميعاً إعلان صريح بأن الدولة المصرية تمضي نحو المستقبل بسلاح: العلم، والخبرة، والمرأة القيادية.

نعم، تدهشنا التحولات الرقمية المتسارعة، لكن في المقابل تتعاظم الحاجة إلى رأس مال بشري مؤهل، ومن ثم فهذه الخطوة الجادة تستهدف إعادة هندسة منظومة التدريب الوطني برؤية حديثة، تقودها سيدة أثبتت (علمًا وممارسة) أنها جديرة بالمكان والمهام.

مما لا شك فيه فيه أن القرار يجدد تأكيد التزام الدولة الراسخ بتمكين الكفاءات النسائية، وضخ دماء جديدة في المؤسسات الوطنية بقيادات قادرة على مواكبة التحول الرقمي وقيادته بوعي واقتدار.

المسيرة المهنية والعلمية للدكتورة سلافة، التي تمتد لأكثر من ربع قرن، تمزج بين التميز الأكاديمي والخبرة العملية في إدارة ملفات التعليم والتدريب، ما يجعلها خيارًا مثاليًا لتحمّل مسئولية تطوير أحد أهم أذرع الدولة في إعداد الكوادر الوطنية وتأهيلها لزمن مختلف وتحديات أكثر تعقيدًا.

قبل أن تكون الدكتورة سلافة أحمد جويلي أكاديمية مرموقة، فهي صاحبة تجربة ميدانية راسخة في بناء أنظمة تعليمية تجمع بين الجودة العالمية والهوية الوطنية، كما جسّدته بوضوح في قيادتها لوحدة «شهادة النيل الدولية»، بالتعاون مع جامعة كامبريدج.

ومع توليها إدارة الأكاديمية الوطنية للتدريب، تقف أمام فرصة استراتيجية لإعادة رسم ملامح منظومة التدريب الوطني، وربطها بعمق باحتياجات الدولة وسوق العمل، لأن سد الفجوة بين التعليم والتوظيف لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحة.

أقول هذا في ظل التحدي المزمن المتمثل في الانفصال بين ما يُدرّس في الجامعات، وما يتطلبه سوق العمل من مهارات تطبيقية وتقنية وسلوكية تؤهل الشباب المصري للتنافس في القرن الحادي والعشرين.

من وجهة نظري، تملك الدكتورة سلافة فرصة ثمينة لتقديم نموذج متكامل في تطوير الكوادر البشرية، يبدأ من إكساب الخريجين المهارات المطلوبة في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي، والتسويق الإلكتروني، وتحليل البيانات، وريادة الأعمال.

يتعزز هذا التوجه بإنشاء مراكز محاكاة مهنية داخل الأكاديمية تعكس بيئة العمل الحقيقية، وتمنح المتدربين خبرة تطبيقية ملموسة، كما أن بناء جسور التعاون مع الجامعات والشركات، عبر برامج تدريب مشترك وتدريب تعاوني، سيُحدث نقلة نوعية في ربط منظومة التدريب بسوق العمل.

لا يقل أهمية عن ذلك، إطلاق بوابات تقييم رقمية تساعد الخريجين على تشخيص الفجوات المهارية لديهم، والالتحاق بمسارات تدريبية مصممة خصيصًا لسد هذه الفجوات، هذه الخطوات مجتمعة لا تمثل فقط استجابة ذكية لأزمة بطالة الخريجين، بل تشكل استثمارًا استراتيجيًا في رأس المال البشري، وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارًا، كأحد أعمدة بناء الجمهورية الجديدة.

تبدو الفرصة مهيأة لرؤية واقعية وقابلة للتنفيذ، فيما يتعلق برقمنة التدريب، خاصة في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي تشهده الدولة على مختلف المستويات، فالأكاديمية الوطنية للتدريب، بما تملكه من إمكانات بشرية وتقنية، تقف اليوم أمام لحظة فارقة يمكن أن تتحول فيها إلى منصة تدريب رقمية وطنية رائدة، تقدم محتوى تفاعليًا عالي الجودة، وتصل بخدماتها إلى كل فئات المجتمع، في جميع المحافظات، دون عوائق جغرافية أو بيروقراطية.

ومن هنا، يمكن إطلاق منصة إلكترونية متكاملة لتقديم برامج تدريبية «أونلاين» بشهادات معتمدة، ودمج تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي ضمن المحتوى التدريبي، خصوصًا في تنمية المهارات القيادية والإدارية. كما أن تدريب المدربين على أدوات التعليم الرقمي يمثل ضرورة لضمان جودة التفاعل وفعالية نقل المعرفة.

بالطبع، سيتكامل هذا التوجه مع التوسع في برامج بناء القدرات الحكومية، بما يسهم في إعداد قيادات تنفيذية قادرة على إدارة التحول الرقمي، وفقًا لأحدث معايير الإدارة الحديثة، وهذا لن يقتصر على الداخل، فقط، خاصة أن الدكتورة سلافة أحمد جويلي تمتلك سجلًا مهمًا في مجال الشراكات الاستراتيجية والتمكين الإقليمي.

يتجلى في مشاركتها الفاعلة في الملتقى العربي لمديري معاهد التدريب، حيث أثبتت قدرتها على تمثيل الأكاديمية الوطنية للتدريب بكفاءة واقتدار في المحافل الإقليمية، ونجحت في بناء شبكات تعاون عربية ودولية تعزز من مكانة الأكاديمية وتفتح أمامها آفاقًا أوسع.

وانطلاقًا من هذه الخبرة، يُنتظر من الدكتورة سلافة خلال المرحلة المقبلة أن تواصل هذا التوجه الاستراتيجي من خلال: تعزيز التعاون مع منظمات دولية ومراكز تدريب عالمية لنقل وتوطين الخبرات، تحويل الأكاديمية إلى مركز إقليمي للتميز في التدريب الحكومي بما يدعم دور مصر القيادي في المنطقة، وتطوير برامج مشتركة مع وزارات ومؤسسات الدولة لتوحيد الرؤية وتكامل الجهود، بما ينعكس إيجابًا على كفاءة الجهاز الإداري للدولة واستعداد مؤسساته لمتغيرات المستقبل.

تُظهر كل هذه المعطيات دلالة واضحة على أن تعيين الدكتورة سلافة أحمد جويلي في هذا المنصب القيادي ليس مجرد تكليف وظيفي، بل هو نقطة تحول إيجابية في مسيرة تمكين المرأة المصرية، ورسالة مؤسسية تؤكد أن الكفاءة، لا النوع، هي معيار التمكين الحقيقي. وقد جاء تقدير المجلس القومي للمرأة لهذه الخطوة ليعكس هذا المعنى بوضوح، واصفًا إياها بأنها “نموذج مُلهم للفتيات والنساء في مصر”، وهو ما يفتح الباب أمام إدماج أوسع لقضايا النوع الاجتماعي وتمكين المرأة ضمن أجندة الأكاديمية التدريبية المقبلة.

إن قيادة الدكتورة سلافة للأكاديمية الوطنية للتدريب تمثل فرصة نادرة لصياغة نموذج مصري جديد في تأهيل الإنسان، قائم على التكنولوجيا، والكفاءة، والانفتاح على المستقبل، ومع الدعم المؤسسي، وثقة القيادة السياسية، وإيمان المجتمع بدور الأكاديمية كمحرك للتغيير، تملك الدكتورة سلافة مفاتيح التحول التدريبي الشامل، الذي يمكن أن يجعل من الأكاديمية منصة وطنية لصناعة قادة الغد.نعم، التحديات كثيرة، لكن الإرادة أوضح، والفرصة حاضرة، والطريق نحو النجاح يبدأ الآن.

اقرأ أيضاًأيقونة العمل الوطني.. مشاركة المرأة المصرية في 30 يونيو كانت مثار إعجاب العالم

عزة هيكل: المرأة المصرية تمتلك قدرات استثنائية

«بث مباشر».. كلمة الرئيس السيسي في احتفالية المرأة المصرية والأم المثالية

Leave A Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts