مقالات

هل يواجه الاقتصاد الأوروبي خريفًا قاتمًا؟

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية

في الوقت الذي تنشغل فيه دول أوروبا بترميم ما خلفته الأزمات المتتالية – من تداعيات الحرب في أوكرانيا إلى أزمات الطاقة والتضخم – تتصاعد التحذيرات من دخول القارة العجوز مرحلة جديدة من الانكماش الاقتصادي، قد تكون الأعنف منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.

يحذر الخبير في الاقتصاد الدولي، الدكتور بيير موران، من «خريف اقتصادي» وشيك، مستندًا إلى مؤشرات عديدة تشير إلى تباطؤ حاد في النمو، وتدهور الثقة في الأسواق، وارتفاع كلفة الاقتراض نتيجة تشديد السياسات النقدية من قبل البنك المركزي الأوروبي.

مؤشرات الأزمة القادمة

يستند التحليل الاقتصادي إلى مجموعة من المؤشرات: تراجع معدلات النمو في دول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، مع تسجيل انكماش في الناتج المحلي الإجمالي في بعض الربعيات الأخيرة. وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن الأوروبي، ما يهدد بانفجار اجتماعي في عدد من الدول.

إلى جانب ذلك، هناك ارتفاع مقلق في الديون السيادية، خاصة في دول جنوب أوروبا، مما يزيد من هشاشة النظام المالي الأوروبي، وانكماش الصناعات التحويلية والطاقية، بعد تقليص الإمدادات الروسية والاعتماد المكلف على مصادر بديلة.

ويؤكد خبراء الاقتصاد أن اعتماد الحكومات الأوروبية على سياسات تقشفية أو رفع الضرائب لمواجهة العجز قد يؤدي إلى نتائج عكس دول الشرق الأوسطية، ويزيد من حدة الركود، ويقوّض شبكات الأمان الاجتماعي.

تداعيات تتجاوز حدود القارة

لا تقتصر آثار هذه الأزمة على الداخل الأوروبي، بل ستطال الاقتصاد العالمي أيضًا. فأوروبا، التي تُعد ثاني أكبر كتلة اقتصادية في العالم، ترتبط بشبكات تصدير واستيراد مع آسيا وأفريقيا والعالم العربي، وأي تباطؤ فيها يعني خلخلة سلاسل التوريد، وركودًا في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة والسيارات.

اللاجئون والمهاجرون أول من يدفع الثمن

في ظل هذه الظروف، سيكون المهاجرون – خصوصًا أولئك القادمين من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – الحلقة الأضعف. فقد بدأت بعض الحكومات الأوروبية بالفعل في مراجعة سياسات الرعاية الاجتماعية، وفرض قيود على تحويلات الدعم والسكن، وسط تصاعد خطاب شعبوي يحمّل الأجانب مسؤولية الأزمة.

كما أن أسواق العمل في الدول الأوروبية تشهد جمودًا متزايدًا، ما يعني صعوبة إيجاد فرص عمل للمهاجرين الجدد، وتدهور أوضاع العمالة غير الرسمية، التي يشكل اللاجئون جزءًا كبيرًا منها:

تراجع الدور الجيوسياسي الأوروبي

في موازاة الأزمة الاقتصادية، يشهد الدور الجيوسياسي الأوروبي انكماشًا واضحًا، فمشاركتها في الحرب الأوكرانية جعلت منها طرفًا مباشرًا في نزاع يستنزف مواردها السياسية والاقتصادية.

كما أن غيابها الملحوظ عن موازين القوى في الشرق الأوسط، وخاصة في ملفات مثل سوريا وليبيا وفلسطين، أضعف من تأثيرها في منطقة كانت تقليديًا مجالًا لنفوذها التاريخي. وفي قارة أمريكا الجنوبية، تراجعت مكانة الاتحاد الأوروبي لصالح قوى صاعدة مثل الصين وروسيا، وظهرت فجوة واضحة في الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية.

رؤية ختامية

أوروبا تقف عند مفترق طرق إما أن تنجح في إدارة التحديات المتراكمة بما يجنّبها الانهيار، أو تسير نحو خريف اقتصادي قد لا يقتصر على أوراق المال، بل يمتد إلى مجتمعاتها المتعددة، ويعيد تشكيل صورتها في النظام العالمي.

اقرأ أيضاًمقال «الأسبوع» يزلزل الاحتلال.. مرصد إسرائيلي يتهم الدكتور محمد عمارة بالتحريض ضد إسرائيل

ليس بمقال.. بل فضفضة عامة وبحث عن شغف الحياة المفقود في ثنايا أرواحنا

Leave A Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts