انهار صباح اليوم الخميس منزل مكوّن من طابقين في شارع الـ100 بمنطقة البراجيل التابعة لقسم شرطة أوسيم في الجيزة، مما أسفر عن مصرع ذكرى منصور، ربة منزل، ثلاثينية، وطفلها سليم محمد، 9 سنوات، إلى جانب إصابة شخصين آخرين تم نقلهما إلى مستشفى إمبابة العام لتلقي العلاج.
تفاجأ السكان بدويّ هائل وسحابة من الغبار تعلو المكان، قبل أن تظهر معالم الفاجعة التي خلفها سقوط العقار فوق رؤوس ساكنيه.
«الناس اتصلوا بيا الصبح قالولي: الحق، بيت أختك وقع»، يقول عبدالمنعم منصور، شقيق الضحية «ذكرى»، وهو يقف مذهولًا أمام الركام، لا يفارقه الذهول منذ لحظة تلقيه الاتصال وحتى اللحظة التي شيّع فيها شقيقته وابنها إلى مثواهما الأخير.
يضيف بصوتٍ مرتجف، خلال حديثه لـ«المصرى اليوم»: «جريت على طول، وأنا بدعي يكون فيهم نفس.. وصلت لقيت الناس بتصرخ، وفرق الإنقاذ بتحفر في التراب، وكلّي أمل ألاقيهم عايشين».
لكن القدر لم يمهلهم كثيرًا، انتشل رجال الحماية المدنية الطفل «سليم» أولًا، جثة هامدة، مغطى بالتراب، وبجسده الصغير كانت الكارثة قد اكتملت.
«سليم كان روحه في أمه، عمره ما نام غير في حضنها»، يتابع «عبدالمنعم»، وهو يشير إلى المكان الذي انتُشلت منه الجثة، مضيفًا: «لما عرفوا إن فيه طفل تحت الأنقاض، كل الناس وقفوا على رجل واحدة.. لكن لما طلع ميت، الشارع كله سكت».

خال ضحية عقار البراجيل يروي اللحظات الأخيرة قبل سقوط العقار
بعد ساعة تقريبًا من محاولة إنعاش الأم، لفظت «ذكرى» أنفاسها الأخيرة داخل غرفة الطوارئ. «قالولي: أم الطفل توفت في المستشفى»، يروي خال «سليم»، ويغالب دموعه، قبل أن يضيف بصوت شبه مكسور: «دفناهم سوا.. زي ما عاشوا سوا، ماتوا سوا».
ويكمل «عبدالمنعم» حديثه بنبرة يغالبها الانكسار: «أختي كانت ست غلبانة، مش طالبة حاجة من الدنيا غير تستر نفسها وتربي ابنها.. كانت بتكافح، وتشتغل في بيوت الناس عشان تجيب قوت يومها، عمرها ما اشتكت، ولا رفعت صوتها، كانت دايمًا مبتسمة، حتى وهي مكسورة».
يتوقف قليلًا، ينظر إلى الركام، ثم يضيف: «قعدت معاها آخر مرة من أسبوع، كانت بتقولي إنها بتخاف على سليم من البيت، عشان السقف كان بايظ، كانت بتقول (أنا مش عارفة البيت ده هيقع علينا إمتى).. وكأنها كانت حاسة».
لماذا لم يُنفذ قرار إزالة عقار البراجيل المنهار؟
وعن الطفل «سليم»، يقول الخال بنبرة أقرب إلى الهمس: «سليم ده كان ملاك.. أذكى طفل في العيلة.. كان بيحب المدرسة، ودايمًا يرجع يقوللي: (أنا عايز أطلع دكتور يا خالو).. كنت بوعده إني هاجيبله جهاز كمبيوتر صغير لما ينجح، وكان مبسوط بالكلام كأن حلمه اتحقق».
يتنفس بعمق ويضيف: «دلوقتي هشيل وعدي في قلبي.. ووشه مش بيروح من بالي، وهو تحت التراب.. لسه شايفه بعيني، لابس ترينج المدرسة، وشعره مفروك، ووشه أبيض كالقمر».
ثم يختنق صوته بغصة لا يخفيها: «كان ممكن يتلحق.. لو فيه مسؤول سمعنا من زمان.. إحنا صرخنا، وقدمنا شكاوى، وقلنا البيت هينهار، لكن ماحدش سأل فينا.. هي الأرواح بقت رخيصة للدرجة دي؟».
شهادات الأهالي عن سقوط منزل البراجيل في الجيزة
المأساة لم تكن مفاجئة بالنسبة للبعض، فالعقار المنهار، بحسب روايات الأهالي، كان مصنّفًا كـ«آيل للسقوط»، وصدر بحقه قرار إزالة منذ سنوات، لم يُنفذ حتى لحظة الانهيار.. «البيت ده عليه قرار إزالة من زمان»، يؤكد «عبدالمنعم»، ويضيف: «كنا بننادي بإخلائه، لأن حالته سيئة، ومينفعش حد يعيش فيه».
ويتساءل، والغضب يتسلل إلى صوته: «هي القرارات دي بتتعمل ليه لو مش هتتنفذ؟ أختي كانت ممكن تبقى عايشة دلوقتي، وابنها في حضنها، لو بس حد تحرك في الوقت الصح»، مرددًا: «دفناهم سوا.. زي ما عاشوا سوا ماتوا سوا».
في موقع الحادث، فرضت قوات الأمن كردونًا أمنيًا حول العقار المنهار، ودفعت قوات الحماية المدنية بالمعدات الثقيلة.. «أول ما وصلنا، بدأنا نسمع صوت أنين.. حفرنا يدوي لحد ما وصلنا لجثة الطفل»، يقول أحد أفراد فرق الإنقاذ، قبل أن يضيف: «طلعناه بهدوء، كأنه ابننا إحنا».
«البيت وقع فجأة»، يقول محمد عبدالستار، جار الضحايا، ويضيف: «كنا بنشرب شاي على الناصية، وسمعنا صوت تكسير شديد.. بعدها طلع تراب من كل حتة.. جريْنا على المكان لقينا الناس بتصرخ والركام مغطي كل حاجة».
في محيط العقار المنكوب، حيث البيوت متقاربة والبنايات متكدسة، تنتشر مخاوف بين السكان من تكرار المأساة.. «فيه بيوت تانية هنا حالتها أسوأ من بيت ذكرى»، يقول أشرف عبدالمقصود، من سكان الشارع، ويتابع: «لو مفيش تحرك حقيقي، إحنا كمان هنبقى تحت التراب».
أجهزة الأمن من جانبها باشرت التحقيق في الواقعة، وتم تحرير محضر رسمي، كما فُصل التيار الكهربائي في محيط العقار المنهار كإجراء احترازي، وتم إخطار النيابة العامة التي بدأت تحقيقاتها، وبدأت في فحص أسباب الانهيار، وجمع شهادات من شهود العيان.