فيديوهات التبرئة الكاذبة.. فصل جديد في غسيل سمعة التكفيريين

فيديوهات التبرئة الكاذبة.. فصل جديد في غسيل سمعة التكفيريين


في السابع عشر من يوليو 2025، نشر محامي المتهمين في إحدى قضايا الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح فيديو عبر “فيسبوك”، قال إنه الجزء الأول من سلسلة تهدف إلى توضيح الموقف القانوني لمن وصفه بـ”الشيخ” المتهم في القضية. لكنّ الفيديو بدا كمحاولة جديدة لإضافة فصل آخر إلى سلسلة محاولات غسيل سمعة التكفيري “س. م”.

فهل تنجح هذه المحاولات في تبييض وجه إرهابي، تشهد تسجيلاته المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه أطلق فتاوى تكفيرية، ودعا إلى “ثورة مسلحة” لإسقاط نظام الحكم في دولة عربية “ليست مصر”، كما يزعم بعض تابعيه؟

بالعودة إلى المعارك الكلامية الحادة بين أدعياء السلفية، المنقسمين بين مؤيد ومعارض للتكفيري “س. م”، نجد أن أحدهم، ويدعى “تامر”، قد نشر في الثلاثين من يونيو 2024 فيديو تجاوزت مدته 37 دقيقة، اعتبره محاولة لغسيل سمعة “الشيخ س”، حيث عرض فيه ما يزعم أنها أدلة على براءته من تهم التكفير والدعوة إلى حمل السلاح.

أول ما استند إليه المدعو “تامر” كان مقطعًا مصورًا للمدعو “س. م”، وهو يلقي درسًا دينيًا بأحد المساجد بتاريخ 3 مارس 2012، في هذا الفيديو، أجاب عن سؤال حول درس سابق ألقاه في المسجد ذاته بتاريخ 24 فبراير 2012، وكرر فيه فتاواه الضالة المُضلة، قائلاً صراحة: “مفيش حاجة اسمها سلمية.. الثورات السلمية بدعة”، في تحريض واضح على الثورة المسلحة في دولة عربية صديقة، مؤكدًا أنه يجب حمل السلاح ولو أدى ذلك إلى قتل جميع من يسمونهم “الثوار”.

المفارقة أن “تامر”، في محاولته إثبات براءة “الشيخ س”، قد قدّم، دون أن يدري، واحدًا من أبرز الأدلة على إدانته.

وعلى الجانب الآخر، قدّم عدد من السلفيين المعارضين للمدعو “س. م” مجموعة من الفيديوهات تؤكد أنه كان يدعو للتكفير، وحمل السلاح، والتظاهر، والتجمهر، ويحرض على الفتنة بين أبناء الشعب المصري، ونشر أحدهم، بتاريخ 24 سبتمبر 2024، مقطع فيديو يظهر فيه “الشيخ س” على منصة رابعة، بعد الثالث من يوليو 2014، وهو يدعو إلى استمرار الاعتصام والتظاهر، ويزعم أن المشاركين في الاعتصام الإرهابي ينصرون شريعة الله، ويقفون على ثغر من ثغور الإسلام. كما دعا صراحة إلى “تجييش المسلمين” لدعم المعتصمين والمتظاهرين.

وفي فيديو آخر، بتاريخ 27 سبتمبر 2024، أعاد أحد السلفيين نشر مقتطفات من تسجيل قديم للمدعو “س.م”، ظهر فيه وهو يُفتي بآراء تكفيرية ضالة ومضللة، حيث زعم أن إحدى الدول العربية المسلمة تُعد “دار كفر”، يجب الهجرة منها، كما دعا إلى قتال ولاة أمرها.

وتقوم العناصر الإرهابية التابعة والموالية لعدة تنظيمات متطرفة، بترويج عدد كبير من الفيديوهات التي تتضمن فتاوى ضالة ومضللة، تمكن من الترويج لها في محاضرات ودروس ألقاها في عدد من المساجد المصرية التي كانت تحت سيطرة جماعة “الإخوان” وتنظيمات داعمة لها عقب أحداث يناير 2011.

صورة تعبيرية

وتشمل هذه الفتاوى التحريض على تبنّي الفكر الداعشي، والدعوة إلى القتل وسفك الدماء، تحت ذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود.كما تضمّن خطاب الضال المُضل”س. م” تأصيلًا صريحًا لمنهج الخوارج في تكفير الحكام والمحكومين دون قيد أو تفصيل، مستندًا إلى أقوال عدد من العلماء التي أخرجها التكفيريون من سياقها الصحيح.

وكانت النيابة المختصة قد أمرت بإحالة المدعو “س. م” وآخرين من المتهمين إلى المحاكمة الجنائية، في واحدة من أخطر القضايا التي تنظرها الدوائر القضائية مؤخرًا، وقد أثبتت التحقيقات انتماء المتهمين إلى تنظيم إرهابي مسلح، والتخطيط لارتكاب أعمال عدائية داخل مصر، بالإضافة إلى “تلقي تكليفات عبر تطبيقات مشفّرة، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في ترويج أفكار تكفيرية، ونشر أخبار كاذبة، والتحريض على كراهية الدولة ومؤسساتها.

ومع اقتراب موعد الجلسة الأولى في القضية، بدأت العناصر الإرهابية في الترويج لفيديوهات يظهر فيها المتهم “س. م” في صورة “داعية لا يُشق له غبار”، في محاولة واضحة لغسل سمعته التكفيرية والتشكيك في التحقيقات القضائية.وانتقلت حملة التلميع هذه إلى مرحلة جديدة بعد انتهاء الجلسة الأولى، في محاولة فاشلة لتقديم “الداعية الدموي” في صورة شيخ يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

ثم جاء المحامي المكلّف بالدفاع عنه وعن آخرين من المتهمين بالانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح، ليعلن عزمه على نشر سلسلة من الفيديوهات لتوضيح “موقفه القانوني”.

تبقى محاولات تبييض الفكر التكفيري خطرًا قائمًا، لا يقلّ فتكًا عن التطرف نفسه، حين يُمنح منابر للانتشار وتحسين الصورة وتزييف الوعي. فمثل هذه الحملات ليست دفاعًا عن متهم، بل هي جزء من معركة أكبر على الوعي، تُستخدم فيها الفيديوهات كسلاح لتزييف الواقع والوقائع، وترويج خطاب العنف تحت عباءة الدين.

والمجتمع اليوم مدعو للتمييز بين من يدعو إلى الله، ومن يدعو إلى الفتنة بسلاح التكفير. وتبقى الذاكرة الجمعية حائط صدّ أمام محاولات غسل الضمائر والعقول، وستظل الحقيقة أقوى من أي محاولة لتزييفها.

Exit mobile version