بلداننا العربية.. من السيئ إلى الأسوأ

بلداننا العربية.. من السيئ إلى الأسوأ


صالح أبو مسلم

صالح أبو مسلم

بعد انقضاء العديد من السنوات على ما يسمى بثورات الربيع العربي، تلك الثورات التي كان مخططًا لها من قوى إقليمية وغربية بهدف إحداث الخراب من تلك الدول، وصولاً إلى الهيمنة عليها، فبعد صراع بعض من شعوب بلداننا العربية مع الأنظمة الحاكمة، ورفع شعارات التغيير والنهوض، وتحقيق العدالة، وغيرها من الشعارات، فإن تلك الثورات بعد تغيير الأنظمة لم تخلف إلا الخراب والدمار، لتتمكن بلدان مثل مصر، ليبيا، اليمن، تونس، السودان، وسوريا من تغيير أنظمتها الحاكمة، التي كان شعوب تلك الدول يرونها سببًا في معاناتهم وفقرهم وحكمهم الاستبدادي، وباستثناء كل من مصر وتونس فإن تلك البلدان، وبعد كل تلك السنوات قد تحولت من السيئ إلى الأسوأ، وذلك بعد انقسام وتقاتل شعوبها فيما بينها، فبدلاً من الاستفادة من أخطاء الماضي، والتوحد من أجل تحقيق الديمقراطية، وانتخاب رئيس وحكومة وعمل دستور من أجل استعادة مفهوم الدولة، فإن تلك الدول قد انقسمت عشائرها وطوائفها ومكوناتها، وانتشرت الميليشيات المسلحة، وصولاً إلى الجماعات الإرهابية، وما يسمى بتنظيم الخلافة في الشام، وغيرها من الدول، حتى عمت الفوضى والخراب، وفتح الباب أمام الجماعات الإرهابية التي أدلت بدلوها الأسود أملاً في حكم تلك البلدان، فعلى سبيل المثال، انقسمت اليمن إلى منطقتين، وتقاتل الحوثيون في الشمال مع الحكومة الشرعية في اليمن، وذلك من أجل الهيمنة على الحكم، وما تبع ذلك من قتل وخراب ودمار، بعد سنوات من خلع الرئيس علي عبد الله صالح.

وفي السودان، وبعد خلع الرئيس السابق عمر البشير، انقسمت السودان، وتقاتل أبناؤها، بعد أن عجزوا عن إعادة بناء السودان الحديثة، وانتشر القتل والخراب الذي طال الجيش، وكثيرًا من مؤسسات الدولة وبناها التحتية، وهاجر الملايين من السودانيين إلى بلاد الجوار، وذلك بعد تمرد ميليشيا الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي”، الذي تمرد على الحكومة السودانية الشرعية برئاسة “عبد الفتاح البرهان”، وما أحدثه من قتل وخراب ودمار، واستهداف الجيش والمؤسسات السودانية، ليس من أجل مصلحة الشعب السوداني، بل من أجل الاستيلاء والهيمنة على الحكم، ودون العمل من أجل بصيص أمل لعودة السودان معافى رغم الجهود الإقليمية والدولية.

وفي ليبيا انقسمت الدولة بعد رحيل الرئيس معمر القذافي إلى ثلاث مناطق، وإلى حكومتين وبرلمانين، وعمت الفوضى والقتل والخراب في ربوع ليبيا مع انتشار الميليشيات والجماعات الإرهابية والصراعات القبلية، والتناحر على السلطة حتى نسى الليبيون مصلحة ليبيا العليا، والعمل على عودتها إلى الحاضرة الدولية من جديد، ولتبقى ليبيا حتى الآن بين التشتت والفوضى والانقسام والمعاناة، مع غياب الأمن والأمان في ربوعها كما كان في سابق عهدها، ودون وجود بصيص أمل لظهور القادة المخلصين والعاملين على عودة ليبيا.

وها هي سوريا، وبعد الرحيل الغامض للرئيس بشار الأسد، وانكسار الجيش السوري، بمخطط إسرائيلي وإقليمي غربي، ما ممكن إسرائيل مع وجود رئيس الأمر الواقع إلى التجرؤ على سوريا، وضم الكثير من أراضيها مع صمت الرئيس الحالي المختلف عليه، والذي يبدو أنه غير قادر على لم الشمل ووحدة سوريا، وحمايتها من الأطماع الإقليمية والغربية، لتتحول البلاد الآن مع هذا الرئيس الانتقالي إلى قتال ودمار وخراب بين الأقليات والعشائر السورية في مناطقها على غرار جرائم الإبادة التي تحدث الآن في محافظة السويداء بسوريا، وانتشار الجماعات الإرهابية المسلحة التي تستهدف السويداء، وتنشر الفتنة والاقتتال والخراب بين البدو، الدروز، والأكراد في تلك المنطقة، وغيرها من المناطق السورية، وللأسف، فإنه ومنذ تولي الرئيس الانتقالي “أبو محمد الجولاني” فإن كل ما تمر به سوريا من أحداث، ومن تجرؤ قوات الاحتلال الإسرائيلي على سوريا، إضافة إلى مصالح الدول الإقليمية والغربية فيها، لا يبشر بالخير بعودة الدولة السورية من جديد، إضافة إلى ما يحدث من مآسٍ في لبنان، وانكسار حزب الله أمام عدوان إسرائيل، وما يحدث في فلسطين بالضفة الغربية وقطاع غزة لا يبشر بالخير لعودة تلك البلدان إلى سابق عهدها، ويبدو أن ما يحدث داخل تلك البلدان يثبت بأن شعوبنا عندما تفشل في مقاومة العدوان الإسرائيلي، أو مقاومة التدخلات الأجنبية، وتندرج إلى مخططاتها، ودخول البعض من بلداننا في كنفها، فإننا لا ننجح إلا في أن يقاتل بعضنا بعضا، والأخطر من ذلك هو أن كل فصيل أو ميليشيا تتباهى في قتالها وإظهار بشاعتها، وممارسة عمليات القتل والغدر، وإحداث الخراب من أجل الهيمنة، للوصول إلى الحكم، ناشرون بذلك الظلم والبغضاء والكراهية بين أبناء البلد الواحد، فهل تستحق تلك البلدان التي كانت تتميز بحضارتها وعراقتها ما يفعله فيها أبناؤها الآن؟


Exit mobile version