والد ضحية جريمة السوبر ماركت في الدقى: «مراتي لحد دلوقتي في المستشفى وما استحملتش الصدمة»

والد ضحية جريمة السوبر ماركت في الدقى: «مراتي لحد دلوقتي في المستشفى وما استحملتش الصدمة»


«مش قادر أنسى المشهد.. ابني كان غارق في دمه وممدد قدامي، ولسه من شوية كان بيضحك»، يقول «حازم»، وهو يضغط على كفيه المرتعشتين، وكأنهما ما زالتا تحملان جسد ابنه «عبدالرحمن»، صاحب الـ 12 عامًا، الذي قُتل داخل محل البقالة الصغير في منطقة الدقي بالجيزة، على يد شاب يعمل «كوافير حريمى» بالقرب من المحل، لفشله في سرقة «الكاشير»، إذ سدد للطفل 10 طعنات في البطن والظهر قبل أن يذبحه بسكين كان الصغير يقطع به الجُبن.

لم يكن صباح ذلك اليوم مختلفًا عن أي يوم آخر بالنسبة للأب، استيقظ مبكرًا كعادته، وأدار المحل الآخر الذي تملكه العائلة في منطقة قريبة، قبل أن يعود إلى البقالة الأساسية الملاصقة لمنزله، ويوقظ ابنه ليقف وراء الكاشير، بينما يخلد هو لساعة راحة في الشقة الصغيرة الملاصقة للمحل، لكن تلك الساعة كانت الأخيرة التي سيقضيها وهو يطمئن أن ابنه على قيد الحياة.

«صحيت على صوت مراتي وهي بتصرخ.. قالت لي الحق في مشكلة في المحل»، يستعيد الأب اللحظات الأولى، وعيناه تزوغان وكأنهما تعودان إلى تلك الدقيقة.

لم يظن أن الأمر خطير.. «افتكرت خناقة عادية.. حاجة بتحصل كتير»، يضيف، لكن حين دخل إلى البقالة، تجمدت قدماه، كان المشهد أمامه أكبر من قدرته على الاستيعاب: «عبدالرحمن كان مرمي على الأرض، دم كتير حواليه، ووشه كان شاحب.. قربت منه حاولت أشيله.. لكن كان خلاص».

أصابه الذهول لدرجة أنه لم يدرك في البداية ما يجب أن يفعله، خرج إلى الشارع كالممسوس، محاطًا بجيران وأصدقاء يرمقونه بنظرات حزينة، البعض أخبره أن الجاني أُلقي القبض عليه، ورأى بعينيه رجال الشرطة يقتادونه إلى سيارة الدورية.

ما وصل إلى مسامع الأب بعد دقائق كان أبشع مما تخيله، فيروى أن المتهم، شاب يُدعى «محمود»، يعمل كوافير نسائي في المنطقة، دخل المحل في الصباح ووقف أمام الكاشير، في تلك اللحظة، كان «عبدالرحمن» يُعد شطيرة جبنة، ويقدمها له، قبل أن يلاحظ الصغير أن الزبون يحاول مد يده إلى درج النقود.

السرقة وراء قتل الطفل «عبدالرحمن» في جريمة الدقي

«ابني حاول يمنعه.. ما استحملش فكرة إن حد يسرق المحل وهو واقف»، يقول الأب، بنبرة خليط من الفخر والانكسار، لكن المقاومة لم تستمر أكثر من لحظات؛ إذ مد المتهم يده إلى سكين تقطيع الجبن الموضوعة على الطاولة، وبدأ يطعن الطفل بعشوائية.

كانت الطعنات عنيفة وسريعة، وفق والد المجنى عليه، فإن الصغير تلقى 10 ضربات في البطن والظهر، قبل أن يوجه له ضربة قاطعة في رقبته، أردته قتيلًا على الفور.

لم يكن «عبدالرحمن» وحيدًا في المحل تمامًا، بل كان هناك مراهقان يعملان في توصيل الطلبات، أحدهما يُدعى أنس (16 عامًا) والآخر عمرو (15 عامًا)، كانا يجلسان في ركن بعيد يتناولان إفطارهما حين وقع الهجوم، لكنهما لم يتمكنا من التدخل في الوقت المناسب «فضلوا يصرخوا والناس اتلمت على صراخهم»، وفق والد المجنى عليه.

صورة «طفل الدقي» ضحية جريمة السوبر ماركت على موبايل الأب المكلوم- تصوير: محمد القماش

«هما كانوا جوا بيأكلوا.. ومحدش لحق يعمل حاجة.. كل حاجة حصلت بسرعة»، يوضح الأب، قبل أن يضيف أن وجودهما لم يمنع المأساة، لأن المتهم كان يحمل السكين ويتحرك بعنف لا يُمكن السيطرة عليه.

«عبدالرحمن» لم يكن طفلًا عاديًا في نظر أسرته، كان ترتيبه قبل الأخير بين إخوته، والـ«دلوعة» كما يصفه والده، وكان يحب العمل رغم صغر سنه، ويحرص على مساعدة العائلة في المحل أو في توصيل الطلبات حين يكون ابن عمه الأكبر موجودًا.

«كان بيشتغل معانا من نفسه.. ما كنتش بحب أتعبه.. بس هو كان بيحب يحس إنه راجل ومسؤول»، يقول «حازم»، قبل أن يبتسم ابتسامة باهتة سرعان ما تختفي تحت سحابة الحزن.

أحد أكثر ما أثار غضب الأب، هو تداول شائعات بأن المتهم يعاني من اضطرابات نفسية، في محاولة – كما يرى – لتخفيف مسؤوليته الجنائية.. «هو مش مريض نفسي.. شغال كوافير في منطقة راقية.. وبيتعامل مع الناس كل يوم»، يؤكد الأب، مشددًا على ضرورة توقيع أقصى عقوبة بحقه: «أنا مش بطلب غير العدل.. ابني راح بلا ذنب».

في جنازته، سار الأهالي خلف النعش الصغير الذي حمل جسد «عبدالرحمن»، والدموع تملأ العيون، كان المشهد قاسيًا على الجميع، خصوصًا على الأم التي لم تتوقف عن البكاء منذ لحظة الحادث.

«دفنا ابني وإحنا مش مستوعبين.. لسه شايفينه الصبح.. إزاي يرجع لنا جثة؟»، يسأل الأب، وكأنه لا ينتظر إجابة.

والد المجني عليه يكشف لـ«المصري اليوم» تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة الابن- تصوير: محمد القماش

«مراتي لحد دلوقتي في المستشفى.. ما استحملتش الصدمة»، يقول حازم وهو يطأطئ رأسه، وكأن الكلام ثقيل على لسانه. منذ أن رأت جسد ابنها ممددًا في دمائه، انهارت قواها، وأُصيبت بوعكة شديدة نُقلت على إثرها إلى المستشفى، حيث ترقد بلا وعي كامل للحظة ما حدث.

«أنا ببات على كرسي في أوضة صغيرة جنبها، وعنيا ما داقتش النوم من 4 أيام»، يضيف بصوت متعب، ويشير إلى الهالات السوداء تحت عينيه: «كل ما أغمض عيني، أشوف المشهد قدامي من تاني.. دم عبدالرحمن على أرضية المحل، وصوته وهو بينادي عليّ».

النيابة العامة باشرت التحقيق على الفور، واستجوبت الشهود والمتهم، قبل أن تصدر قرارًا بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات، بتهمة القتل العمد المقترن بالسرقة بالإكراه.

وبحسب التحريات الأولية، فإن المتهم دخل المحل بنية السرقة، وحين حاول الطفل منعه، بادره بالاعتداء باستخدام السكين، وهو ما أدى إلى وفاته في الحال، وتبين أن المتهم «سوابق».

أهالى المنطقة محل الجريمة، يعرفون المجنى عليه، وكثير منهم كانوا يشترون منه يوميًا.. «الولد كان مؤدب وبيضحك لكل الزباين»، يقول أحد الجيران، مضيفًا أن الجميع يشعر بأن الجريمة لم تسرق حياة طفل فقط، بل سرقت أيضًا إحساسهم بالأمان.

«حازم» يحاول أن يبدو متماسكًا أمام الناس، لكنه ينهار حين يغلق الباب على نفسه: «البيت تحسه فاضي من غيره.. صوته، ضحكته.. حتى خبطه على الباب لما يرجع من الشغل»، يقول.

«كل ركن في البيت بيذكرني بيه»، يضيف، قبل أن يحدق طويلًا في صورة «عبدالرحمن» المعلقة على الحائط، «أنا ابني مش هيرجع.. لكن يمكن ده يمنع إن أب تاني يعيش اللي أنا بعيشه»، يقول بصوت مبحوح، في ختام حديثه.






Exit mobile version